نبذه عن الفن التشكيلي في الكويت معجب الدوسري في الكويت عام 1921م

أن الكتابة عن نشأة الفن التشكيلي في الكويت، تنطلق من نقطة بداية محددة، وتلك النقطة تبدأ مع مسيرة الفنان معجب الدوسري، ذلك الفنان الرائد بكل ما تعنيه الكلمة، الذي عشق الفن في وقت مبكر، فأفنى عمره في سبيل دراسته، ونشره في وسط مجتمعه، فكتب ورسم وعلم، في زمن لم تعرف به جمعيات للفن التشكيلي، ولا صالات للعرض، ولا ميزانية للاقتناء أو جوائز للتشجيع! 00 وكانت رحلته الفنية كفاحاً بلا حدود ، وعطاء بلا مقابل، وبالرغم من الفترة القصيرة التي عاشها، إلا أنه ترك أثراً بالغ التأثير على جيل بأكمله، إلا وهو زرع بذرة الفن التشكيلي في وطنه

ولد الفنان معجب الدوسري في الكويت عام 1921م، وأحب الرسم كهواية خلال فترة دراسته، فتميز عن بقية أقرانه، ولقي إعجاب أساتذته، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي بمدرسة المباركية حوالي عام 1945، أوفدته "إدارة المعارف" آنذاك في بعثة للدراسة في مصر، وهناك التحق بكلية الصناعات الزخرفية ودرس "فن الزخرفة"
وخلال الفترة التي قضاها طالباً في مصر كان شعلة من النشاط، حيث ساهم بمجلة "البعثة" التي يصدرها بيت الطلبة بمصر، تحت إشراف الأستاذ عبد العزيز حسين الذي أوكلت إليه مهمة الأشراف على ا لطلبة المبعوثين، وإدارة شؤون البيت من قبل إدارة المعارف، فشارك الفنان "معجب" بالكتابة حول الفن بأسلوب أدبي رفيع وفني رصين، سلسلة من المقالات عن الفن الإسلامي والإغريقي والروماني والآشوري، حرصا منه على نشر المعرفة الفنية، ولإيمانه العميق برسالة الفن في الحياة، وذلك باعتبار الفن "غذاء روحياً لا غنى للإنسان عنه"
الدوسري بريشته
وكما قدم أيضا بعض الرسومات، حيث رسم العديد من "الاستكشات" لزملائه الطلبة إلى جانب بعض رسوم "الكاريكاتير" وفي مطلع عام 1949م أقامت فرقة البيت التمثيلية، مسرحية "المروءة الغائية" وأيضا الفصل الأخير من مسرحية "مجنون ليلى" وذلك بمناسبة المولد النبوي الشريف، فصمم المناظر الخاصة لكل من المسرحيتين اللتين حازتا على إعجاب الحضور.
عاد بعد أن أنهى دراسته حاصلاً على شهادة الدبلوم عام 1950م، وحاملا راية التعليم إلى وطنه، فعمل بمدرسة المباركية التي كان طالبا بها من قبل، فأصبح بذلك أو مدرس كويتي يدرس مادة الرسم، ثم ما لبث أن التحق مرة أخرى ببعثة لمدة عامين تقريبا، بكلية الفنون الجميلة بإنجلترا، وهناك درس الفن حديثه وقديمه وزار المتاحف ، واطلع على أعمال الفنانين العالميين وعلى تجاربهم، وعلق الدكتور عبدالله تقي عن مدى تأثر معجب بمشاهداته وانعكاسها على أعماله بالقول" كان متأثراً بها تأثيراً انعكس في أسلوب معالجته ولم ينعكس في موضوعاته، التي كانت دائما متصلة ببلده الكويت.
بعد ذلك عاد للتدريس بثانوية الشويخ، وقد كان بها معلماً ومربياً من الطراز الأول، حيث تعلق به التلاميذ والتقوا من حوله، فأسس "جماعة الرسم" وكان من أعضائها : سليمان الشاهين واحمد النفيسي والفنان طارق سيد رجب والفنان عيسى بوشهري وعبدالله تقي وآخرون، فعمل على اطلاعهم على كل ما هو جديد بالفن، وعلى المدارس التشكيلية المتعددة، وعن نشأة الفن، وكما وفر لهم الخامات الخاصة بالرسم
أعماله 00 والضياع
للفنان معجب الدوسري العديد من الأعمال، بعضها رسمها حينما كان بالبعثة في مصر، والبعض الأخر أنجزها عندما كان مدرسا بثانوية الشويخ، وقد أقام خلال مسيرته الفنية معرضين الأول في عام 1951 والآخر عام 1954، حيث كان يخصص له جناح خاص به في المعارض التي أقيمت، جنباً إلى جنب مع أجنحة الطلبة، ولكن للأسف هذه الأعمال التي تعتبر جزءاً هاماً من تاريخ الفن التشكيلي في الكويت، تعرضت للتلف والضياع.. والحرق
في المرة الأولى في عام 1953م تعرضت البلاد للأمطار الغزيرة فجرفت السيول أعماله وعرضتها للتلف والدمار، كما ذكر الفنان عبدالرسول سلمان في كتابه عن ا لفن التشكيلي في الكويت، وفي المرة الثانية عام 1991م أثناء اندحار القوات العراقية من الكويت، تعرضت قاعة معجب الدوسري المخصصة لأعماله بمتحف الكويت الوطني للحريق الذي افتعلته قوات الغزو، ولا يعرف مصير أعماله هل احترقت أم سرقت ؟ 00 حيث فقدت لوحة "يوم الغسيل" و"ضاربة الودع" و"الصلاة" في حين بقيت لوحة "المنظر" لم تطلها النيران، ولكن غشيها الدخان الأسود وهي في حالة يرثى لها، ما لم تسعى إدارة المتحف باستعجال الترميم اللازم لإعادتها لحالتها السابقة
ملامح فنه
يلاحظ من خلال الصورة المنشورة، والتي تعتبر الثر الوحيد المتبقي لفن معجب الدوسري، اهتمامه الشديد بالعنصر الإنساني وتصويره له في سياق روحاني، ويتجلى ذلك في لوحة "الصلاة" وبها فتاة تقوم بتأدية الصلاة، وبالخلف منها تظهر فتاة واقفة تغزل النسيج، في حين تبدو السماء الزرقاء وبها الغيوم، فتصويره للطبيعة في هذه اللوحة يظهر ملامح من الأسلوب الكلاسيكي، الذي يهدف لإبراز المظهر الخارجي وإضفاء الطابع الروحاني للموضوع
وكذلك اعتنائه بالتفاصيل، كما في لوحة "ضاربة الودع" والتي تبرز فيها مهارته في التشريح التي اكتسبها. بالرغم من غياب الموديل من خلال التدريب، فقدم لنا الفتاة بتعبير صامت وهي تتأمل حظها، مع التأثير الجميل للضوء الساقط عليها، بالإضافة إلى تضليل المنطقة الدائرة حولها، ويظهر انعكاس اللون الأزرق للباسها المحاط بالعباءة السوداء على القواقع المتناثرة فوق السجادة الحمراء، والتي تلتقي بلونها مع القلادة الحمراء كنسيج متكامل لمفردات الموضوع.
وفي لوحة "منظر" تتجلى لنا الخبرات التي اكتسبها خلال دراسته في لندن، وتكشف أيضا عن المستوى الفني الذي بلغة قبيل وفاته، حيث نلاحظ سيطرته على المشهد، وتكامل النسب الفنية من ناحية المنظور،وابر ازه للعمق الذي أوجده في المنظر الريفي، حيث يدفع البصر بالنظر إليه، من خلال الأشجار التي تتباعد في نسق متول ومتواز، بالإضافة لضرباته الجريئة للفرشاة، التي تبرز ضوء الشمس المتساقط على أوراق الشجر، بأسلوب تأثيري سابق لعصره في المنطقة
رحيله
كان رحيله صدمة قاسية على أصدقائه ، وصعبا على تلاميذه الذين أحبوه، وتعلقت أفئدتهم بالفن من خلاله، ففق الأول من أغسطس عام 1956، وفي غرفة في المستشفى الأميري كان يرقد الفنان لتلقي العلاج، حاصره المرض واشتد عليه الألم، فلم يقو جسده النحيل على الصمود، فلبى النداء وهو في الخامس والثلاثين من عمره، وفي قمة عطائه الفني، رحل قبل أن يرى غرسه يتفرع ويعلو ويثمر، وبرحيله فقدت الكويت فناناً أصيلاً عقدت الآمال عليه لنشر الفن في بلده
رحلته إلى انجلترا
عاد من إنجلترا إلى الكويت الزميل معجب الدوسري وهذه بعض معلومات عن رحلته في إنجلترا : التحق بمعهد "شلسي" أي مجموعة في عامة الرسم ، كما التحق بمعهد "جلفرد" للفنون وأخذ كورس في كتابة الخطوط الإنجليزية، ورسم الأجسام والتصميم الزخرفي ودراسة الألوان والتحق أيضا بكلية الفنون في "ليفربول مدة سنة لدراسة الزهور والأشجار والفن الزخرفي والمعماري ورسم المواضيع القصصية، واشترك في محاضرات عن تنمية ملكة الفن عند الطفل ، والفن عامة مدة شهرين، وكما زار معارض اكسفورد وبرمنجهام وجلفرد وليفربول ومانشستر وأدنبره وغيرها. عن مجلة "البعثة" السنة السادسة - العدد الثامن - اكتوبر 1952م
صور الماضي للكويتين kuwaiTeT-zameain


إرسال تعليق

0 تعليقات